الإثنين, أغسطس 18, 2025
رئيس مجلس الإدارة : د. أشرف عبد العزيز
المشرف العام : أ. عبير سلامة
المدير التنفيذي: شروق أشرف
spot_img
Homeمقالاتمعاهدة البلاستيك العالمية: مفاوضات حاسمة في جنيف

معاهدة البلاستيك العالمية: مفاوضات حاسمة في جنيف

معاهدة البلاستيك العالمية: مفاوضات حاسمة في جنيف

بقلم الوزير الاستاذ الدكتور  مصطفى حسين كامل ـ مدير المركز الاقليمي للتدريب ونقل التكنولوجيا للدول العربية التابع لاتفاقية بازل ووزير البيئة المصري الاسبق

في ظل تصاعد أزمة التلوث البلاستيكي التي تهدد بيئتنا وصحة البشرية، تجتمع ممثلين 175 دولة في مدينة جنيف السويسرية لعقد مفاوضات حاسمة تهدف إلى تبني معاهدة دولية جديدة للحد من التلوث البلاستيكي. هذه الاجتماعات تمثل فرصة تاريخية لتوحيد الجهود الدولية وإيجاد حلول مستدامة للحد من إنتاج البلاستيك الضار، وتعزيز الابتكارات البيئية التي قد تنقذ كوكبنا من تداعيات كارثية متوقعة. مع تزايد حجم النفايات البلاستيكية التي تملأ المحيطات والأنهار وتغزو سلاسل الغذاء، يترقب العالم بفارغ الصبر نتائج هذه المفاوضات التي قد تشكل نقطة تحول في حماية الأرض للأجيال القادمة.

خلفية تاريخية: أزمة البلاستيك
لطالما كانت مشكلة البلاستيك مادة تثير القلق البيئي على مستوى عالمي. فالبلاستيك، على الرغم من فوائده العديدة في مجالات متعددة مثل التغليف والتخزين، إلا أن استدامته في البيئة تعد مشكلة ضخمة.

إحصائيات حول البلاستيك
– إنتاج البلاستيك العالمي: يُنتج العالم حوالي 400 مليون طن من البلاستيك سنويًا، وهو ما يعادل تقريبًا أكثر من 50 كيلوغرامًا من البلاستيك لكل شخص على الكوكب. (Plastic Waste: The Circular Economy Solution, WEconomic Forum, 2020)
– التلوث البلاستيكي في المحيطات: 8 مليون طن من البلاستيك تُلقى في المحيطات سنويًا، مما يعادل تقريبًا إلقاء شاحنة من البلاستيك في البحر كل دقيقة. (المصدر: The Ellen MacArthur Foundation)
– النفايات البلاستيكية: ما يقرب من 40% من البلاستيك المنتج يستخدم لمرة واحدة فقط، ثم يتم التخلص منه، بينما لا يُعاد تدوير سوى 9% فقط من البلاستيك المستخدم عالميًا. (المصدر: UN Environment Programme, 2018)

الآثار البيئية
– التأثير على الحياة البحرية: تشير الدراسات إلى أن أكثر من 700 نوع من الكائنات البحرية قد تأثرت بشكل مباشر أو غير مباشر بالنفايات البلاستيكية، حيث تبتلع العديد من الكائنات البحرية البلاستيك أو تعلق فيه، مما يؤدي إلى موتها.
(المصدر: World Wildlife Fund (WWF), 2020)
– الميكروبلاستيك: هذا البلاستيك ذو الحجم الصغير ينتقل عبر السلسلة الغذائية، حيث تم العثور عليه في مياه الشرب، الأسماك، والأطعمة التي نستهلكها. وبالتالي، يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية غير متوقعة للبشر والحيوانات. (المصدر: Science Advances, 2019)

من نيويورك إلى جنيف: تسلسل المفاوضات الدولية
بدأت الأمم المتحدة التحركات الدبلوماسية نحو معاهدة البلاستيك في عام 2019، عندما دعت إلى تحرك عالمي لمكافحة التلوث البلاستيكي. وبعد عدة مشاورات ومؤتمرات تحضيرية، بدأت الجولة الرسمية للمفاوضات المعروفة باسم اللجنة التفاوضية الدولية (INC). وفيما يلي تسلسل الاجتماعات الرسمية حتى اجتماع جنيف الحالي:
1. مارس 2022 – نيروبي، كينيا (UNEA-5.2) : وافقت 175 دولة خلال جمعية الأمم المتحدة للبيئة على بدء صياغة معاهدة ملزمة قانونيًا لإنهاء التلوث البلاستيكي بحلول عام 2040.
2. نوفمبر 2022 – بون، ألمانيا (INC-1) : أول اجتماع رسمي للجنة التفاوضية ناقش الإطار الأولي للمعاهدة وبدء وضع تصور عام للأهداف والمبادئ.
3. مايو 2023 – باريس، فرنسا (INC-2) : بدأت الدول في عرض مواقفها بشكل أوضح، وتعمق الجدل حول خفض الإنتاج مقابل تحسين إدارة النفايات.
4. نوفمبر 2023 – نيروبي، كينيا مجددًا (INC-3) : ناقشت الدول مسودة أولية للمعاهدة، لكن ظهرت خلافات كبيرة بشأن آليات التنفيذ والتمويل.
5. أبريل 2024 – أوتاوا، كندا (INC-4) : ركز الاجتماع على تهيئة الأرضية للوصول إلى اتفاق شامل، خاصة بشأن الدعم المالي والتكنولوجي للدول النامية.
6. أغسطس 2025 – جنيف، سويسرا (INC-5) : تُعقد هذه الجولة الحاسمة بهدف الاتفاق على الصيغة النهائية للمعاهدة، في ظل استمرار الخلاف بين الدول الصناعية والنامية حول الإلزام القانوني، والتمويل، وآليات الرقابة.

النقاشات في جنيف: مفاوضات مصيرية
في اجتماع جنيف، يسعى المفاوضون إلى تجاوز الخلافات الكبرى، والوصول إلى صيغة توافقية تضمن خفض إنتاج البلاستيك تدريجيًا، وتحقيق عدالة بيئية للدول ذات الموارد المحدودة.
تم تقسيم النقاش إلى أربعة محاور رئيسية:
1. الحد من الإنتاج العالمي للبلاستيك الأحادي الاستخدام
2. تحفيز الابتكار في البدائل البيئية والبلاستيك القابل للتحلل
3. إنشاء آليات إلزام قانوني وآليات رصد ومساءلة
4. توفير دعم مالي وتقني للدول النامية لضمان عدالة التنفيذ

الاقتصاد في قلب الأزمة: فرص وتحديات
رغم أن المعاهدة تهدف لحماية البيئة، إلا أن لها أبعادًا اقتصادية ضخمة. الصناعة البلاستيكية العالمية تقدر بنحو 600 مليار دولار سنويًا، وأي تدخل تنظيمي سيؤثر بشكل مباشر على سلاسل الإنتاج والاستهلاك. في المقابل، تظهر فرص اقتصادية جديدة من خلال الاستثمار في المواد البديلة والتكنولوجيا الخضراء. يتوقع أن يصل سوق البلاستيك القابل للتحلل إلى أكثر من 16 مليار دولار في غضون بضع سنوات (MarketsandMarkets, 2022)، ما يعني أن المعاهدة قد تخلق ديناميكيات سوق جديدة بدلًا من تدمير الصناعات القائمة.

تحديات سياسية وعوائق تفاوضية
الخلاف بين الدول لا يقتصر على الطموح البيئي، بل يشمل:
– التفاوت في القدرة الاقتصادية
– مصالح الشركات الكبرى الضاغطة
– تباين الأولويات بين خفض الإنتاج وبين إدارة النفايات

كما أن بعض الدول تخشى من فقدان الوظائف أو ارتفاع تكلفة السلع نتيجة القيود الجديدة، ما يضيف ضغوطًا داخلية على وفودها المفاوضة.

الآثار الإنسانية والاجتماعية
المعاهدة لا تمس فقط الطبيعة، بل صحة الإنسان ومصدر رزقه. في المجتمعات الساحلية والفقيرة، تلوث البحار يُهدد الصيد والغذاء اليومي، كما أن الميكروبلاستيك دخل إلى أجسامنا بطرق لا نراها. المعاهدة تمثل أملًا لكسر هذه الحلقة، وبدء مسار توعية عالمي وتغيير في أنماط الاستهلاك.

آفاق المستقبل: عالم ما بعد البلاستيك
إذا خرج اجتماع جنيف باتفاق طموح، فقد نكون أمام بداية حقبة جديدة في إدارة الموارد الصناعية.
تشير تقديرات Ellen MacArthur Foundation إلى أن الاقتصاد العالمي قد يوفر 2.5 تريليون دولار بحلول 2030 إذا تم استبدال البلاستيك الأحادي الاستخدام ببدائل مستدامة.
لكن نجاح هذا المسار يتوقف على الالتزام، والتمويل، والإرادة السياسية. فالمعاهدة، رغم قوتها القانونية، لن تُحدث أثرًا ما لم تتحول إلى سياسات وتشريعات وطنية فعالة.

الخاتمة
معاهدة البلاستيك العالمية تمثل فرصة غير مسبوقة لإحداث تحول جذري في كيفية تعاملنا مع البلاستيك كأداة صناعية وآلية للاستهلاك. المفاوضات الحاسمة التي تجري في جنيف هي بداية مرحلة جديدة تتطلب التعاون الدولي والتزام جميع الدول بمكافحة واحدة من أكبر الأزمات البيئية في عصرنا الحديث.

إذا ما تم تبني المعاهدة وتطبيقها على نطاق واسع، فإننا قد نشهد تحوّلًا اقتصاديًا كبيرًا، حيث يُمكن للابتكار في المواد البديلة والارتقاء بتقنيات إعادة التدوير أن يعزز من استدامة الصناعات ويسهم في خلق أسواق جديدة. وفي ذات الوقت، سيتعين على الحكومات العمل على حماية مصالح الاقتصادات المحلية ومساعدة الصناعات على التكيف مع التغيرات.

تعتبر هذه المعاهدة خطوة أولى في حل أزمة بلاستيك عالمية، لكنها بحاجة إلى التزام جماعي من قبل الحكومات والشركات والمجتمع المدني لتحقيق نتائج ملموسة. معاهدة البلاستيك العالمية ليست مجرد اتفاق بيئي، بل هي فرصة تاريخية لخلق عالم أكثر استدامة وصحة للأجيال القادمة.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

- Advertisment -
Google search engine

Most Popular

Recent Comments