الأحد, أغسطس 24, 2025
رئيس مجلس الإدارة : د. أشرف عبد العزيز
المشرف العام : أ. عبير سلامة
المدير التنفيذي: شروق أشرف
spot_img
Homeمقالاتمصنع النانو الإلهي، كيف يعمل جسدك بأعظم علم وتقنية النانو كونية '"واصطنعتك...

مصنع النانو الإلهي، كيف يعمل جسدك بأعظم علم وتقنية النانو كونية ‘”واصطنعتك لنفسي”

مصنع النانو الإلهي، كيف يعمل جسدك بأعظم علم وتقنية النانو كونية ‘”واصطنعتك لنفسي”

بقلم دكتور هاشم محمد الحبشي ـ عالم وباحث في علم وتقنية النانو، شيفرة النانو0369 ـ جدة ـ المملكة العربية السعودية وعضو الهيئة العلمية العليا للاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة، عضو هيئة مجلس العلماء العرب

الشكل السداسي "Hexagon" وشيفرة النانو9630 لغة اعجاز الخالق "لَا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا"

في لحظة تأمل صامتة، بينما كان العالم منشغلاً بصناعة آلات النانو في مختبرات بمليارات الدولارات، كنت أتأمل المصنع الأكثر إبهاراً على الإطلاق..

المصنع الذي يسكنني.. والذي يسكنك. إنه جسد الإنسان، ذلك المعجزة الربانية التي تحوي في داخلها أعقد أنظمة التصنيع النانومترية بدقة لا يمكن لعقل بشري أن يصل إلى أسرارها جميعاً.

في أحد المؤتمرات العالمية المتخصصة في علم وتقنية النانو، وتحديداً أثناء استراحة الغداء، وجدت نفسي جالساً مع صديقي المهندس حسن سالم العيدروس على مائدة جمعت نخبة من العلماء والمهندسين من الشرق والغرب.

كان الحديث حول تعقيدات صناعة مواد النانو “Nanomechanical Systems” وتكلفتها الفلكية.

لم أستطع كبح حماسي تجاه هذا النظام الهندسي المعقد الذي أحمله في جسدي وتأثرت به بعمق، فبادرت الحضور بقولي: “ما أعقدَه من نقاش، وأنا جالس مع مصنع للنانو متكامل الأكثر إبهاراً على الإطلاق، جسم الإنسان نفسه”.

لحظة من الصمت وتبادل النظرات التي تجمع بين الدهشة والاستفهام، خاصة من عالم بارز من ألمانيا.

“كيف..؟” سألني بتحد علمي نمطي، عندها انطلق شريط شرحٍ لم يكن من كتب الهندسة، بل من كتاب الخالق العظيم.

من الفم إلى الخلية، رحلة تفكيك نانومترية.
تبدأ الرحلة في “وحدة التغذية الأولية” الفم. حيث تعمل الأسنان كأداة طحن ميكانيكية (Mechanical Milling) بدقة عالية، لتبدأ عملية تفكيك المواد الصلبة (اللحوم، النباتات) إلى جزيئات أصغر. هنا، يتدخل “المحلّل الكيميائي الأول”، اللعاب، حاملاً إنزيماته التي تبدأ في تكسير الروابط الجزيئية المعقدة للمواد الكربوهيدراتية.

ثم تنتقل الخليط إلى “المفاعل الكيميائي الرئيسي” – المعدة. هنا، حيث لاحظتُ شخصياً تشابهاً مذهلاً في التصميم الهندسي، يتميز جدارها الداخلي بتكوين يشبه الخلايا السداسية (Hexagonal Pattern)، وهو تصميم هندسي معروف في علوم النانو والميكانيكا لتحقيق أقصى قدرة على الامتصاص وتوزيع القوى.

في هذا المفاعل، تختلط “البركة الميكانيكية” – وهي الحركة الدائمة لجدار المعدة لطحن الطعام – مع “العصارة الحارقة” – حمض الهيدروكلوريك والإنزيمات القاضية – لتحويل كل ما تناولناه من طعام وشراب إلى سائل غروي (Chyme)، تمهيداً لاستخلاص مكوناته النهائية.

الخلية: المصنع المستقل الذي يتفوق على أكبر المختبرات.
هنا تكمن المعجزة الحقيقية. فجدار الأمعاء الدقيقة، بملايين الزغابات المعوية، يعمل كحائط غشائي ذكي (Smart Membrane) يسمح فقط لجزيئات بمقياس النانو – الأحماض الأمينية، الأحماض الدهنية، الجلوكوز، الأيونات (كالصوديوم، البوتاسيوم، الكالسيوم) والمعادن (كحديد الهيموجلوبين، مغنيسيوم الأنزيمات) – بالمرور إلى تيار الدم.

كل خلية في جسدنا هي “منصة تصنيع نانومترية” (Nanofabrication Facility) متكاملة. إنها تستقبل هذه المواد الأولية متناهية الصغر لتبني منها:
· الطاقة (ATP) في “محطات الطاقة” المعروفة بالميتوكوندريا.
· البروتينات في “الروبوتات النانوية” المسماة بالريبوسومات.
· الهرمونات والإنزيمات التي تنظم كل عملية حيوية.

الإنزيمات هي “آلات نانومترية محفزة” (Catalytic Nanomachines) بامتياز. تسرع التفاعلات الكيميائية بملايين المرات بدقة لا يضاهيها أي معمل بشري، وكل إنزيم متخصص بمهمة واحدة فقط، في ما يشبه خط التجميع الأوتوماتيكي المثالي.

التوازن الدقيق، عندما يحدد “مواد النانو” صحتك.
إن أي اختلال في تركيز هذه الأيونات أو المعادن، ولو بمقدار أجزاء من المليون (parts per million) – وهو مقياس نانو بحت – يمكن أن يعطل هذه المنظومة بالكامل. فانخفاض أيونات الصوديوم قد يؤدي إلى خلل في الجهاز العصبي، واختلال نسبة الحديد يسبب فقر الدم، ونقص المغنيسيوم يعطل مئات العمليات الحيوية. إنه توازن دقيق يشهد على دقة التصميم والإتقان.

بين الصناعة البشرية والصناعة الربانية

في النهاية، نقف نحن العلماء والمهندسين بإنجازاتنا متأملين هذا الكيان البشري. لقد

أنفقنا المليارات لبناء غرف نظية (Clean Rooms) ومجهرية ماسحة tunneling microscopes) لنحاول محاكاة ما يحدث في صمت داخل أجسادنا كل لحظة، بدون ضجيج، وبدون فواتير كهرباء، وبدون نفايات سامة، في دورة حياة متكاملة ومستدامة.

ذلك المؤتمر انتهى، ولكن الجلسة لم تنته في عقلي. لقد ذهب ذلك العالم الألماني وهو يحمل فكرة جديدة: أن أعظم نموذج لدراسة النانو ليس في المختبرات، بل فينا. نحن لسنا مجرد متلقين سلبيين، بل “مصانع نانومترية ربانية” تعمل على مدار الساعة، تحول الماء والنبات واللحم إلى طاقة، وإلى فكر، وإلى حياة، وإلى عاطفة.

“فِي كُلِّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ”. إنها صناعة إلهية تتجلى في كل نفس نأخذه، وفي كل نبضة قلب، شاهدة على عظمة الخالق الذي أتقن كل شيء صنعه.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

- Advertisment -
Google search engine

Most Popular

Recent Comments