السبت, أغسطس 23, 2025
رئيس مجلس الإدارة : د. أشرف عبد العزيز
المشرف العام : أ. عبير سلامة
المدير التنفيذي: شروق أشرف
spot_img
Homeطاقةالمدن المستدامة والذكية والخضراء

المدن المستدامة والذكية والخضراء

المدن المستدامة والذكية والخضراء

بقلم : د.م./ محمد سليمان اليماني
رئيس المجلس العربي للطاقة المستدامة ـ أحد المجالس العربية المتخصصة بالإتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة

تعرف المدينة المستدامة بأنها مدينة مصممة لتقليل تأثيرها البيئي إلى أدنى حد ممكن، مع تحقيق توازن بين تلبية احتياجات السكان الحاليين وضمان حقوق الأجيال القادمة. تعتمد هذه المدن على أنماط معيشة خضراء تُقلل من التلوث في الهواء والمياه، وتوظف مصادر طاقة نظيفة كالشمس والرياح، بالإضافة إلى تقنيات ذكية، مثل؛ أجهزة الاستشعار التي تراقب استهلاك المياه وتُحسّن إدارة النفايات،

وتُركز المدن المستدامة على عدة محاور رئيسة تشمل:

جودة الهواء والمياه، كفاءة الطاقة، التنوع البيولوجي، الأمن الغذائي، وإدارة النفايات.

فتسعى هذه المدن إلى خفض الانبعاثات وتعزيز الزراعة المحلية وزيادة المساحات الخضراء، كما تطبق حلولًا تكنولوجية متقدمة لترشيد الموارد..

وتُعد المدينة المستدامة نموذجًا حضريًّا يهدف إلى ضمان استمرارية الحياة البشرية والبيئية على المدى الطويل، من خلال الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، دون الإخلال بسلامة البيئة. ويستلزم تحقيق هذا النموذج توافر مجموعة من المقومات الأساسية، تشمل: الطاقة المتجددة، وكفاءة استخدام الطاقة، والنقل المستدام، والمباني الخضراء، والإدارة المتكاملة للنفايات، والتعليم البيئي. كما ترتكز المدينة المستدامة على سياسات وتصميمات حضرية تهدف إلى تعزيز جودة البيئة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتحسين رفاهية السكان، وذلك عبر تطوير البنية التحتية، وتحسين التخطيط، وتقديم خدمات بيئية وإنسانية فعّالة. إن الدمج المتوازن بين هذه الأبعاد، إلى جانب وعي السكان ومشاركتهم الفاعلة، هو ما يجعل من الاستدامة واقعًا حضريًّا قابلاً للتحقق.

والمدينة الذكية: تُعرف بأنها كيان حضري يستخدم تقنيات الحوسبة المتقدمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات (ICT) لتعزيز كفاءة وترابط مكونات البنية التحتية الحيوية وخدمات المدينة المختلفة،

مثل؛ النقل، والمرافق، والتعليم، والرعاية الصحية، والسلامة العامة، والعقارات، وإدارة المدينة.

وتتبنى المدن الذكية نهجًا شاملاً يعتمد على التحليل في الوقت الفعلي للبيانات لدعم التنمية الاقتصادية المستدامة وتحسين نوعية الحياة ، و لم تعد فكرة المدينة الذكية حلماً بعيد المنال بل أصبحت واقعاً تعمل مصر على تحقيقه من خلال إنشاء العديد من مدن الجيل الرابع في كافة أنحاء الجمهورية، حيث ستقوم هذه المدن بتوفير العديد من الحلول للمشاكل المتعلقة بالبيئة، والاقتصاد، والإسكان، والبيروقراطية ، وتأتي العاصمة الإدارية الجديدة لتحتل مركز الصدارة بين هذه المدن لتصبح من أكبر عواصم العالم، ولتمكن مصر من أن تصير مركز اقتصادي وحضاري رائد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

والمدينة الخضراء: هي نمط حضري يتبنى سياسات وإجراءات بيئية واجتماعية مسؤولة تهدف إلى تحقيق مستوى عالٍ من الجودة البيئية والرفاهية المجتمعية.

ويعتمد هذا النموذج على تطوير بنية تحتية خضراء تُسهم في استعادة النظم البيئية الحضرية، وتعزيز قدرتها على التعافي، وتوفير مساحات طبيعية مفتوحة تُمكّن السكان من التفاعل مع البيئة بشكل مستدام. وتُقاس كفاءة المدن الخضراء من خلال مجموعة من المعايير، من أبرزها: جودة الموارد البيئية (كالماء، والهواء، والتربة، والتنوع البيولوجي)، وكفاءة إدارة الموارد (مثل المياه والطاقة والأراضي)، إلى جانب قدرتها على الحد من آثار تغيّر المناخ والتكيّف مع مخاطره ، حيث يشهد العالم اليوم تحولات حضرية غير مسبوقة، إذ أصبحت المدن مركزًا أساسيًّا للأنشطة السكانية والاقتصادية، ومسرحًا بارزًا للتحديات البيئية والاجتماعية. ورغم أن المدن تشغل حيزًا محدودًا من مساحة الأرض، فإنها تستحوذ على النصيب الأكبر من استهلاك الموارد وإنتاج الانبعاثات المسببة للتغير المناخي.

هذه المعادلة المقلقة تثير تساؤلًا جوهريًّا: كيف يمكن بناء مدن قادرة على استيعاب التوسع السكاني والتنموي، دون أن تدفع ثمنًا بيئيًّا أو اجتماعيًّا باهظًا؟

في هذا السياق، برز مفهوم المدن المستدامة كحل متكامل يسعى إلى تحقيق التوازن بين العدالة الاجتماعية، والحد من التأثيرات البيئية، ويدعم النمو الاقتصادي. في وقت لم تعد فيه الاستدامة الحضرية مجرد خيار، بل غدت مطلبًا أساسيًّا لضمان رفاهية الحاضر وصمود المستقبل. وتُشكل العشوائيات أحد أبرز العوائق أمام تحقيق التنمية المستدامة؛ نظرًا لما تنطوي عليه من نتائج سلبية، منها؛ ندرة الخدمات الأساسية، وضعف التوثيق الإحصائي للسكان.

تُسهم هذه العوامل مجتمعة في تفاقم مشاكل بيئية واجتماعية متعددة، من بينها؛ التلوث، والازدحام، وانعدام الأمن الحضري.

وتعكس هذه التحديات المتكررة الحاجة الملحّة إلى تبني نماذج تخطيطية لتحسين جودة الحياة في المدن الحالية وتوجيه النمو المستقبلي لحتمية استدامة المدن ، وتشهد المدن حول العالم طفرة سكانية غير مسبوقة، إذ يعيش اليوم ما يزيد على نصف سكان العالم – في المناطق الحضرية. يواجه حوالي 3 مليارات شخص حول العالم صعوبة في تأمين مسكن مناسب، ويعيش أكثر من مليار منهم في أحياء فقيرة أو عشوائية تفتقر إلى الخدمات الأساسية، ويزيد تغير المناخ من تعقيد التحديات التي تواجه المدن.

وبحلول عام 2030، قد يكلف تغير المناخ والكوارث الطبيعية المدن في جميع أنحاء العالم 314 مليار دولار سنويًّا، ويدفع 77 مليون شخص من سكان المدن إلى دائرة الفقر.

وتنتج المدن نحو 80٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمي، حسب برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، وتُعد في الوقت نفسه من أكثر المناطق تعرضًا لتأثيرات التغير المناخي. تحتاج المدن إلى نهج متكامل يسعى إلى بناء مدن عادلة اجتماعيًّا، وفعالة اقتصاديًّا، وصديقة للبيئة، ألا وهو التخطيط الحضري المستدام، يركّز هذا النوع من التخطيط على تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتوفير بنية تحتية مرنة، وضمان وصول الجميع إلى الخدمات الأساسية، مثل؛ السكن، والنقل، والمياه، والطاقة، مع تقليل الأثر البيئي للأنشطة الحضرية.

وتُسهم استراتيجيات التخطيط الحضري المستدام، مثل؛ استخدام الطاقة المتجددة، وتطوير البنية التحتية الخضراء، وتشجيع النمو الذكي، والتنمية الموجهة نحو النقل العام، والتنمية منخفضة التأثير، في خفض انبعاثات الكربون، وتحسين جودة الهواء، والحفاظ على الموارد الطبيعية. كما تسهم في توفير فرص عمل ضمن القطاعات الخضراء، وتحفز الاقتصاد المحلي عبر تقنيات البناء الأخضر، مما يعود بالنفع على الأفراد والشركات.

تتطلب المدن تطبيق مجموعة من الإجراءات المتكاملة، تشمل: الحد من المخاطر الفيزيائية والكيميائية التي تهدد الصحة والبيئة، والسيطرة على التأثيرات البيئية الضارة، وإنشاء بيئات حضرية عالية الجودة تضمن العدالة في التوزيع المكاني للخدمات والمساحات الخضراء. كما يتطلب الأمر تقليل البصمة البيئية خارج النطاق الحضري، وتعزيز أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة، إضافة إلى تطوير القدرة المؤسسية والمجتمعية على التكيّف مع آثار تغير المناخ. إن دمج هذه المحاور يشكل الركيزة الأساسية لبناء مدن أكثر مرونة وخُضرة، قادرة على تحقيق التوازن بين النمو الحضري والعدالة البيئية والاجتماعية.

وتعتبر الحوكمة الحضرية للمدن المستدامة أداة حاسمة لمواجهة التحديات المتزايدة في المدن، مثل؛ الفقر، والسكن، والصحة، والتغير المناخي. ولا يمكن تحقيق تنمية حضرية مستدامة دون أنظمة حوكمة متعددة المستويات تشرك السلطات المحلية والمجتمع المدني في اتخاذ القرار وتنفيذ السياسات، وقد كشفت الأزمات العالمية، وعلى رأسها جائحة كوفيد-19، أهمية التمكين المحلي والعدالة المكانية، كما سرعت الرقمنة من الحوكمة وقت الجائحة، مع ما يتيحه ذلك من فرص لتعزيز الكفاءة والمساءلة، وما يفرضه من تحديات جديدة. وفي سياق تغير المناخ، تبرز الحاجة إلى نماذج حوكمة محلية مناخية مرنة، قادرة على الاستجابة للصدمات، وتوسيع المشاركة، وتعزيز الثقة المؤسسية.

أصبح تحقيق أهداف التنمية المستدامة مرهونًا بمدى فاعلية العمل على المستوى الحضري، إذ تحتضن المدن نصف سكان العالم، وتسهم بما يقارب من 70% من الأنشطة الاقتصادية العالمية. وقد أقرت أهداف التنمية المستدامة بالدور المهم للتحضر، مخصصةً هدفًا محددًا هو الهدف الحادي عشر، الذي يركز على “جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة”. ويُعد هذا الهدف خطوة محورية أولى نحو تمكين المدن، وتُعد المدن بيئات معقدة تتداخل فيها الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية، مما يجعلها مواقع مثالية لتجربة حلول جديدة. وقد أصبحت المدن في السنوات الأخيرة مختبرات للابتكار، مثل؛ الاقتصاد التشاركي، الذي يساهم في حل مشكلات النقل والسكن من خلال مشاركة الموارد بشكل أكثر كفاءة،

وتلعب المدن دورًا أكبر من مجرد تجمعات سكانية، فهي مراكز رئيسة للاقتصاد وتدفقات الموارد، مثل؛ الطاقة والمياه والغذاء.

وبسبب هذا التمركز، تتحمل المدن مسؤولية كبيرة في التحول نحو أنماط أكثر استدامة في الإنتاج والاستهلاك. ويحتاج هذا التحول إلى تنسيق بين مختلف القطاعات، مثل؛ الطاقة المتجددة والنقل وإدارة النفايات، مما يسهم في بناء مدن منخفضة الانبعاثات وأكثر مرونة. المدن التي تدمج البُعد البيئي والاجتماعي في خططها التنموية تصبح قادرة على قيادة التحول الأخضر والمساهمة في تحقيق التنمية العالمية المستدامة ، إذ يركز الهدف الحادي عشر للمرة الأولى على البعد الحضري بوصفه مفتاحًا لتحقيق التنمية المستدامة عالميًّا.

ويجسد هذا الهدف إدراكًا متزايدًا بالدور المحوري الذي تؤديه المدن في رسم ملامح مستقبل البشرية، ويهدف للوصول لتحضر شامل وآمن وقادر على الصمود بحلول عام 2030، من خلال مجموعة من الأهداف القابلة للقياس، أبرزها:
ضمان سكن لائق وميسور التكلفة للجميع، مع تحسين الأحياء الفقيرة وتوفير الخدمات الأساسية، لا سيما في المناطق المهمشة ، وتعزيز أنظمة النقل الحضري المستدام، من خلال تطوير بنى تحتية مأمونة وميسورة التكلفة، تأخذ في الحسبان احتياجات الفئات الهشة مثل النساء والأطفال وكبار السن وذوي الإعاقة ، وتطبيق نهج التخطيط الحضري الشامل والمستدام، القائم على المشاركة المجتمعية والتكامل بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ، وحماية التراث الثقافي والطبيعي كعنصر أساسي من الهوية الحضرية والاستدامة الثقافية ، وتقوية قدرة المدن على الصمود أمام الكوارث، عبر تقليل المخاطر ، وتعزيز التكيف، لا سيما في المجتمعات الفقيرة، والحد من الأثر البيئي للنمو الحضري، خاصة فيما يتعلق بتلوث الهواء وإدارة النفايات الصلبة واستهلاك الموارد، وضمان الوصول العادل إلى المساحات العامة والمساحات الخضراء، بما يُعزّز العدالة الاجتماعية والرفاه المجتمعي ، وتعزيز التكامل الحضري-الريفي من خلال دعم الروابط الاقتصادية والبيئية والاجتماعية بين المدن ومحيطها، عبر التخطيط الإقليمي المتكامل ، وتمكين السياسات الحضرية المتكاملة الرامية إلى الاستخدام الفعال للموارد، والحد من آثار تغير المناخ، وبناء مجتمعات قادرة على الصمود، بما يتماشى مع “إطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015–2030” ودعم أقل البلدان نموًا من خلال تمويل بناء مستوطنات حضرية مستدامة تعتمد على الموارد المحلية، وتستوفي متطلبات الصمود البيئي والاجتماعي ، ويتم تقييم التقدّم في تنفيذ هذا الهدف من خلال مجموعة من المؤشرات الكمية والنوعية، من أبرزها: نسبة السكان الذين يحصلون على سكن لائق، مستوى جودة النقل العام، مؤشرات تلوث الهواء، وكفاءة إدارة النفايات واستخدام الموارد.

تزداد الحاجة إلى مبادرات عالمية فعّالة تُعزز من قدرة المدن على لعب دورها كمحرّك رئيس لتحقيق أجندة 2030، ومن بين هذه المبادرات البارزة: مبادرة مدن أهداف التنمية المستدامة وهي إحدى أبرز المبادرات الأممية التي تهدف إلى تسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة في البيئات الحضرية، وبخاصة الهدف الحادي عشر.

وتهدف المبادرة إلى تمكين المدن من تحسين جودة التخطيط والإدارة، بناء قواعد بيانات حضرية دقيقة، وتصميم مشاريع حضرية ذات تمويل مستدام وأثر ملموس، ما يجعلها نموذجًا فعّالًا للتعاون بين وكالات الأمم المتحدة والجهات الوطنية والمحلية وتستهدف المبادرة، في مرحلتها الأولى (2020–2030)، العمل مع نحو 900 مدينة حول العالم، مع التركيز على البلدان الأقل نموًا والدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، وذلك بهدف تحسين الظروف المعيشية لأكثر من مليار شخص ، ويقدر إجمالي تكلفة البرنامج الرئيس بنحو 208.5 ملايين دولار أمريكي على مدى عشر سنوات، ما يعكس حجم الالتزام الدولي تجاه التحول الحضري المستدام، والاعتراف المتزايد بالدور الحاسم الذي تقوم به المدن في أجندة التنمية العالمية.

ويـعـد “مؤشر المدن المستدامة 2023” أداة تحليلية مرجعية ترصد أداء المدن عبر أبعاد الاستدامة البيئية، الاجتماعية، والاقتصادية. ويشمل 70 مدينة تمثل مختلف الأقاليم الجغرافية، ويرتكز على 12 مؤشرًا كميًّا يعكس الجوانب الأساسية للاستدامة الحضرية، مثل؛ انبعاثات الغازات الدفيئة، تلوث الهواء، الوصول إلى المياه والمساحات العامة، كفاءة النقل، والسياسات المتعلقة بالطاقة المتجددة.

وختاما يمكن القول ان المدن المستدامة هي مدن مصممة لتلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة. وهي مدن تسعى لتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية، والحفاظ على البيئة، وتحقيق الرفاه الاجتماعي ، حيث اتجهت العديد من دول العالم مؤخرا إلى إنشاء المدن المستدامة، باعتبارها أحد أوجه الحياة الصحية الآمنة، وأنها موفرة لاستخدام الطاقة والكهرباء والمياه، وتعتمد على الطاقة النظيفة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى إعادة تدوير المخلفات، الأمر الذى يسهم فى القضاء على التلوث، فهناك حوالى %57 من سكان العالم يعيشون فى المدن أو المناطق الحضرية

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

- Advertisment -
Google search engine

Most Popular

Recent Comments