السبت, أغسطس 23, 2025
رئيس مجلس الإدارة : د. أشرف عبد العزيز
المشرف العام : أ. عبير سلامة
المدير التنفيذي: شروق أشرف
spot_img
Homeالأسرة والطفلالأسرة المستدامة: كيف تصنع أجيالًا قادرة على التغيير الإيجابي؟

الأسرة المستدامة: كيف تصنع أجيالًا قادرة على التغيير الإيجابي؟

الأسرة المستدامة: كيف تصنع أجيالًا قادرة على التغيير الإيجابي؟

بقلم دكتور محمد المنشي استشاري اسري وعضو مجلس إدارة مجلس الأسرة العربية للتنمية ـ المملكة العربية السعودية

بادئ ذي بدء إن الأسرة هي المؤسسة الأولى التي يتلقى فيها الإنسان تعليمه الأولي وقيمه الأخلاقية والاجتماعية. إنها المعمل الأول لصناعة الشخصية الإنسانية، حيث تتشكل معايير الخير والشر، الحب والكراهية، المسؤولية واللامبالاة.

وفي عصرٍ يتسارع فيه التغير التكنولوجي، وتتعاظم فيه التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، برزت الحاجة إلى نموذج جديد للأسرة، لا يكتفي فقط بالوظائف التقليدية كالتربية والإنفاق والحماية، بل يتجاوزها إلى مفهوم الاستدامة، أي أسرة قادرة على الاستمرار، التكيف، والإسهام في صناعة أجيال مؤهلة لإحداث تغيير إيجابي في المجتمع والعالم.

أولاً: مفهوم الأسرة المستدامة

إن الأسرة المستدامة ليست مجرد إطار اجتماعي يضم الأفراد تحت سقف واحد، بل هي:
• أسرة تُوازن بين الماضي والحاضر والمستقبل.
• تحافظ على قيمها الأصيلة وفي الوقت نفسه تنفتح على التطور.
• تنجح في إدارة مواردها المادية والعاطفية بطريقة رشيدة.
• تُنشئ أبناءً يتمتعون بالوعي والمسؤولية الاجتماعية والبيئية.

حقا إنها أسرة تدرك أن دورها يتجاوز تربية أبناء صالحين داخل البيت، إلى إعداد مواطنين عالميين قادرين على المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفق مرتكزات تسهم في بناء عالم أكثر عدلاً وتوازنًا.

ثانياً: مرتكزات الأسرة المستدامة

1. التربية القيمية والأخلاقية
لأن القيم هي العمود الفقري للأسرة المستدامة. فالأسرة التي تغرس في أبنائها قيم:
• الصدق والأمانة → تبني جيلًا يحترم القانون.
• العدل والمساواة → تساهم في محاربة التمييز.
• المسؤولية → تصنع مواطنًا فاعلًا في مجتمعه.

2. الاستثمار في التعليم والمعرفة
في الحقيقة إن التعليم في الأسرة المستدامة ليس رفاهية بل هو رأس مالها الحقيقي. فهي:
• تتابع تحصيل الأبناء الدراسي.
• تفتح أمامهم آفاق المعرفة خارج المناهج.
• تُشجع على التفكير النقدي وحل المشكلات.

3. الصحة والرفاه
إن الأسرة المستدامة تُعزز مفهوم “الإنسان السليم أساس المجتمع السليم” من خلال:
• الغذاء الصحي.
• الرياضة والنشاط البدني.
• بيئة منزلية داعمة للصحة النفسية.

4. التربية البيئية
إن الوعي البيئي ليس خيارًا بل ضرورة. لذلك، تُربي الأسرة المستدامة أبناءها على:
• ترشيد استهلاك المياه والطاقة.
• إعادة التدوير.
• احترام الطبيعة والتنوع البيئي.

5. المسؤولية المجتمعية
من الجميل أن الأسرة المستدامة لا تُخرّج أفرادًا منعزلين، بل مواطنين يشاركون في:
• الأعمال التطوعية.
• المبادرات الخيرية.
• خدمة قضايا مجتمعهم المحلي.

ثالثاً: دور الأسرة المستدامة في صناعة التغيير الإيجابي

1. بناء مواطن عالمي
في عالم متصل ومتواصل نجد فيه الأبناء الذين يُربَّون على احترام الثقافات، والتسامح، والتعاون، يصبحون سفراء للتغيير قادرين على بناء جسور بين الأمم.

2. مواجهة التحديات المعاصرة
هنا يبرز دور الأسرة في تربية جيل لديه أدوات التفكير النقدي، فيستطيع أن يكون جزءًا من الحل لا جزءًا من المشكلة من أجل مواجهة التغير المناخي من وإلى أي تطرف ضار.

3. تعزيز التنمية الاقتصادية
إن الأسرة التي تغرس حب العمل والإبداع في أبنائها تُنتج جيلًا مُنتجًا يسهم في النمو الاقتصادي.

4. الحفاظ على الهوية الثقافية
إن الاستدامة لا تعني الذوبان في الآخر، بل تعني الحفاظ على الجذور مع الانفتاح على العالم. والأسرة المستدامة توازن بين هذين البعدين.

رابعاً: هناك أربعة تحديات أساسية أمام بناء الأسرة المستدامة:
1. التحديات الاقتصادية: ضغوط المعيشة قد تُضعف التواصل الأسري.
2. التغير التكنولوجي: سيطرة الأجهزة الذكية على الأبناء تضعف دور الوالدين.
3. الفجوة بين الأجيال: اختلاف القيم بين جيل الآباء والأبناء.
4. الإعلام الموجَّه: ضخ محتوى يهدد القيم الأصيلة.

خامساً: استراتيجيات بناء الأسرة المستدامة
1-على مستوى الأسرة:
• تخصيص وقت للحوار اليومي مع الأبناء.
• تطبيق مبدأ المشاركة في اتخاذ القرارات.
• توفير بيئة منزلية تُحفز على التعلم المستمر.
2-على مستوى المجتمع:
• إطلاق برامج توعية للأسر حول التربية المستدامة.
• تعزيز الشراكة بين المدرسة والأسرة.
• دعم المبادرات الأسرية في مجالات البيئة والمجتمع.
3-على مستوى السياسات:
• إدماج دور الأسرة في الخطط الوطنية للتنمية المستدامة.
• توفير مراكز دعم أسري لتدريب الوالدين على مهارات التربية الحديثة.

خاتمة
إن بناء أسرة مستدامة ليس رفاهية فكرية، بل هو ضرورة وجودية لمجتمعات تبحث عن مستقبل أفضل. فالأسرة التي تجمع بين القيم، والتعليم، والصحة، والوعي البيئي، والمسؤولية الاجتماعية، تصنع أجيالًا قادرة على التغيير الإيجابي.
وبقدر ما تكون الأسرة قوية ومستدامة، بقدر ما يكون المجتمع أكثر استقرارًا، والإنسان أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة.
وبذلك يمكن القول إن الأسرة المستدامة هي البذرة الأولى لمستقبل مزدهر، وإن التغيير الإيجابي يبدأ من بيت صغير، ومن حوار هادئ، ومن قيمة صادقة تغرس في قلب طفل لينمو عليها ويُغير العالم بها.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

- Advertisment -
Google search engine

Most Popular

Recent Comments