الوزير يقود أولوية الإصلاح المؤسسي للكهرباء… واستحقاقات تحرير السوق
بقلم دكتور مهندس محمد سليم سالمان
إستشاري الطاقة والاستدامة / عضو المجلس العربى للطاقة المستدام
مقدمة
في ظل المتغيرات السريعة التي يشهدها قطاع الطاقة محليًا وعالميًا، أصبح تحرير سوق الكهرباء في مصر قضية لا تحتمل التأجيل. ومع إعلان معالي الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة عن استكمال فصل الشركة المصرية لنقل الكهرباء كمشغل مستقل، تعود قضية إعادة هيكلة السوق إلى صدارة المشهد. وتكتسب هذه الخطوة أهمية مضاعفة كون الوزير يمتلك خبرات واسعة من موقعه السابق كوزير لقطاع الأعمال العام، حيث أشرف على عمليات حوكمة الشركات، وإعادة هيكلتها، وطرحها في البورصة، وهو ما يمكنه من قيادة عملية التحول المؤسسي بجدارة .
إخفاقات الأهداف الاستراتيجية
من أبرز مظاهر القصور أنّ مصر لم تحقق الهدف المرحلي للوصول إلى 20% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول 2022، كما أصبح من الصعب عمليًا الوصول إلى 42% بحلول 2030 وفقًا للاستراتيجية الوطنية للطاقة المتجددة. ويعود ذلك إلى غياب آليات المنافسة، وتباطؤ تحرير السوق الذي كان من شأنه أن يجذب استثمارات ضخمة ويحفز القطاع الخاص على المشاركة بكفاءة أعلى.
أولويات معالي الوزير
يأتي هذا الملف على رأس أولويات معالي الدكتور محمود عصمت وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، الذي يتمتع بخبرة طويلة في وزارة قطاع الأعمال العام، حيث قاد برامج إعادة هيكلة الشركات وطرحها في البورصة وتطبيق معايير الحوكمة الحديثة. هذه الخبرات تمنحه ميزة نسبية فريدة في قيادة قطاع الكهرباء نحو إنشاء بورصة كهرباء مصرية تعمل وفق ضوابط شفافة، وتضمن تكافؤ الفرص بين جميع المنتجين والمستهلكين.
الوزير أكد في تصريحاته الأخيرة أن التأخير لم يعد مقبولًا، وأنه ملتزم بتطبيق القوانين القائمة، وفصل الشركة المصرية لنقل الكهرباء كمشغل مستقل، مع تعزيز الشفافية وفتح الباب أمام الاستثمارات الخاصة. وبهذا يمكن القول إن بورصة الكهرباء ليست فقط مشروعًا تنظيميًا، بل هي رؤية استراتيجية لإرساء العدالة التنافسية وضمان الاستقرار الشبكي مع الحفاظ على مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء.
متطلبات التحرير وتحديات التنفيذ
رغم صدور قانون الكهرباء رقم 87 لسنة 2015، وتعديله بالقانون 70 لسنة 2021 الذي منح فترة انتقالية امتدت لعشر سنوات انتهت في يوليو 2025، إلا أن سوق الكهرباء لا يزال بعيدًا عن التطبيق الفعلي للتحرير.
السبب الرئيس يعود إلى تشابك الاختصاصات، واستمرار سيطرة مجالس الإدارات الموحدة على منظومة التوليد والنقل والتوزيع، وهو ما يخلق تضاربًا في المصالح ويؤخر الانفتاح على المنافسة.
التحرير لا يعني تفكيك المنظومة أو إضعافها، بل هو إعادة تنظيم تتيح دخول مستثمرين جدد عبر مناقصات شفافة، وضمان تكافؤ الفرص، بما يسهم في رفع كفاءة الشبكة واستقرارها، وخفض الأعباء المالية عن الدولة.
البعد الاستثماري والحوكمي
القطاع يمتلك أصولًا ضخمة بلغت قيمتها نحو 1.118 تريليون جنيه بنهاية العام المالي 2023/2024، فهل من المنطقي أن تُدار هذه المحفظة العملاقة من خلال مجلس إدارة واحد للشركة القابضة للكهرباء؟
إن إعادة هيكلة السوق على أسس حوكمة رشيدة ستؤدي إلى:
- تعزيز الشفافية والمساءلة.
- اجتذاب الاستثمارات الخاصة.
- إتاحة المجال لطرح شركات الكهرباء في البورصة كما حدث في شركات قطاع الأعمال.
- الحد من تضارب المصالح الذي عانت منه المنظومة طوال السنوات الماضية.
البعد الاقتصادي والتحفيز للاستثمار
الاستمرار بالأسلوب الحالي يعنى تحميل المواطن أعباء الفقد وسوء الإدارة وارتفاع القروض، بينما يفوت على مصر فرص جذب استثمارات ضخمة في مشروعات التوليد والتوزيع والطاقة المتجددة. أما في حالة التحرير، فإن السوق التنافسي سيخلق بيئة أكثر كفاءة، حيث يتم التعاقد من خلال مناقصات شفافة، ويُسمح بدخول مستثمرين جدد بدلاً من الاقتصار على الإسناد المباشر.
نموذج سوق مصغر كبداية
من المقترح أن يبدأ التحرير عبر إنشاء نموذج سوق مصغر (Pilot Market)، يتم تفعيله في نطاق جغرافي محدد أو بين مجموعة من المنتجين والمستهلكين الكبار.
هذا النموذج يتيح:
- اختبار آليات سوق اليوم التالي (Day-Ahead Market).
- تنظيم مناقصات للطاقة المتجددة بدل الإسناد المباشر.
- وضع معايير محاسبية واضحة للفقد والالتزامات التشغيلية.
- تدريب الكوادر الوطنية على إدارة السوق، تمهيدًا للتوسع المرحلي.
خاتمة
إن استمرار الوضع الحالي يرهق الدولة والمستهلك على السواء، بينما تحرير سوق الكهرباء لم يعد خيارًا مؤجلًا، بل ضرورة قصوى لحماية الاقتصاد والمستهلك معًا، حيث الفوائد واضحة: رفع الكفاءة، تعزيز الشفافية، جذب الاستثمارات، والاندماج مع الأسواق الدولية من خلال الربط الكهربائي، ومع قيادة تمتلك خبرة طويلة في الحوكمة المؤسسية مثل معالى الوزير د. محمود عصمت، فإن الفرصة متاحة لإعادة هيكلة السوق بشكل متدرج يضمن الكفاءة، ويخدم أهداف التنمية المستدامة، ويضع مصر على خريطة الأسواق الإقليمية والعالمية للكهرباء.