استراتيجية الحياد الكربوني في الكويت 2060: التحديات والحلول
بقلم المهندس الاستشاري: سالم محسن العجمي
عضو مجلس إدارة المجلس العربي للطاقة المستدامة
تعتبر الكويت من الدول الأولى التي انخرطت مع اتفاقيات البيئية للأمم المتحدة بدءا من عام 1994 بتوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، UNFCCC. ومن ذلك الحين والكويت ملتزمة بشكل إيجابي بالتوصيات والقرارات الأممية منها اتفاقية بروتوكول كيوتو في عام 2005 وكذلك اتفاقية باريس في عام 2013 وحتى مؤتمر التغيير المناخي الأخير في باكو نوفمبر 2024.
فحرصت دولة الكويت على المساهمة في تقليل البصمة الكربونية من خلال الإعلان في ديسمبر 2012، بأن مشاريع الطاقة المتجددة ستساهم بتغطية 15% من الطلب على الكهرباء بحلول عام 2030. كما حرصت دولة الكويت على تطوير محطاتها التقليدية والتي كانت تعتمد أساسا على ما يقارب 60% على النفط في محطات التوليد البخارية و40% على الغاز الطبيعي في محطات التوليد الغازية قبل عام 2015 والتوجه لتقليل نصيب المحطات البخارية بحلول عام 2030 والتي تسبب نسبيا زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة من نسبة 60% إلى أقل من 20% ويتم استبدالها بمحطات الغازية ذات الدورة المركبة والتي تعتبر الأقل انبعاثا بالإضافة كمية طاقة متجددة المتوقع توفرها خلال هذه الفترة، كما هو موضح بالشكل الأول.
الشكل الأول: توزيعة تقنيات توليد الطاقة الكهربائية في الكويت في عامي 2015 و2030 [1].
وتعتبر مشاركة الكويت في مؤتمر التغيير المناخي الأخير، في باكو نوفمبر 2024، انطلاقة جديدة نحو رؤية مستقبلية طموحة عندما أعلن سمو ولي العهد سمو الشيخ صباح الخالد أن الكويت ستحقق الحياد الكربون بحلول عام 2060. ويقصد بتحقيق الحياد الكربوني في الكويت أو المؤسسة هو الوصول لحالة التوازن بين كمية الغازات الدفيئة المنبعثة وبين كمية الانبعاثات التي تم ازالتها والتخلص منها [2].
وتعتبر الكويت من الدول الأعلى في معيار نصيب الفرد سنويا من الانبعاثات الكربونية حيث أنها تبلغ حوالي 21.1 طن من انبعاثات الكربون المكافئ [3]. ويعتبر قطاع محطات توليد الطاقة وإنتاج المياه الأعلى من ناحية التسبب بانبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تزيد عن 41% يتبعها قطاع المصانع الكيميائية بنسبة تزيد عن 25% تتركز في مصانع الاسفلت والاسمدة وغيرها من الصناعات الأخرى. فيما يشكل قطاع المواصلات نسبة تزيد عن 16% وتبلغ نسبة الانبعاثات من القطاع البترولي أكثر من 9% كما هو موضح في الشكل الثاني.
الشكل الثاني: القطاعات الحيوية في الكويت ونسبة كل منها في انبعاثات الغازات الدفيئة [3].
وبعد ما تعرفنا على مفهوم الحياد الكربوني والقطاعات المسببة للانبعاثات في الكويت، فيقع على الدولة وضع استراتيجية تنفيذية متكاملة تحقق هذا الهدف الحيوي، الحياد الكربوني.
خطوات نحو تحقيق الحياد الكربوني:
- تحسين كفاءة المحطات الحالية وأداء الصناعات والقطاعات الأخرى:
تعتبر هذه الخطوة مهمة في للوصول للأداء العالي بأقل نسبة انبعاثات في القطاعات الحالية فعلى سبيل المثال تحديث مواصفات القطاع الصناعي وتحديد مواصفات التنقية الهوائية المنبعثة، الفلاتر، لتكون كفاءة المصنع تتحدد بالقدرة الإنتاجية وكمية الكهرباء المستهلكة وكمية الانبعاثات المنتجة. فذلك يعني خلق منظومة رقابة ومتابعة تملك مقومات التي تجعل القطاعات تسير نحو الأداء العالي بأقل نسبة انبعاثات.
- زيادة القطاع الزراعي والأشجار الممتصة للانبعاثات الكربونية:
تعتبر الأشجار من أهم العوامل المحققة للحياد الكربوني كونها تقوم بإزالة وامتصاص كميات كبيرة من الانبعاث الكربون خلال عمليات البناء الضوئي، وتسمى كذلك عملية التدوير الطبيعي للكربون. ولكي تستفيد دولة الكويت من هذه الأشجار فأعتقد من خلال تركيز عمليات التشجير حول المواقع المسببة للانبعاث والموضحة في الشكل الثالث.
الشكل الثالث: أماكن تركز انبعاثات الكربون في الكويت [4].
وتعتبر أشجار القرم، Mangrove، وتربتها غنية بالكربون، حيث تعزله وتخزنه على أعماق كبيرة [5]. ورغم أن مساحة أشجار القرم أصغر بكثير من مساحة الغابات الاستوائية، إلا أنها تُعدّ مخازن كربون فعّالة للغاية، إذ يمكنها عزل ما يصل إلى 3 أو 4 أضعاف الكربون على مستوى المساحة مقارنةً بنظيراتها الأرضية، وتظل مستقرة لفترات جيولوجية طويلة إذا لم تُمسّ.
- التعامل السليم مع النفايات المتنوعة:
عمليات جمع النفايات الصلبة وردمها في المرادم يعتبر أسلوب بيئي سلبي يساهم في تلوث البيئة وكذلك انبعاث الغازات الدفيئة. وتعاني دولة الكويت سنويا بإغلاق الكثير من المرادم واستحداث مرادم أخرى للتخلص من النفايات في الوقت الحالي. ولكي نسير نحو هدف الحياد الكربوني فإن إدارة منظومة النفايات يجب أن يتم الاهتمام بشكل جذري ومتكامل. كثير من النفايات لها كفاءة إعادة تدوير عالية ممكن إدخالها في الصناعات الأخرى والجزء الاخر ممكن إدخاله في عمليات انتاج الطاقة مع مراعات فلاتر وأنظمة تتعامل بشكل إيجابي من الانبعاثات والرماد المتطاير والمترسب.
- الاهتمام في مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر:
لا شك أن اعلان دولة الكويت نحو الحياد الكربوني صاحبه اعلان شركة نفط الكويت لوضع خارطة الطريق لإنتاج 17000 ميجاوات من الطاقة المتجددة و25000 ميجاوات من الهيدروجين الأخضر. وبلا شك هذه الانطلاقة ستساهم بتحقيق الحياد من خلال ما يسمى بتعويض الكربون، Carbon Offsetting. ولكي تكون مشاريع الطاقة المتجددة أكثر فعالية فلا بد من وضع في عين الاعتبار الاستفادة من التطور الكبير في منظومة تخزين الطاقة من ناحية الكفاءة والتكلفة مما ستساهم في جعل مصادر الطاقة المتجددة أكثر موثوقية.
وتعتبر الطاقة المتجددة مهمة كذلك في انتاج الهيدروجين والذي يعتبر مهما في قطاعات انتاج الطاقة والقطاعات الأخرى الصناعية والزراعية وغيرها. وفي حالة التفكر بإنتاج الهيدروجين من مياه البحر فإن التكلفة ستكون عالية جدا ويقلل من الجدوى الفنية والمالية ولذلك يجب ربط كميات المياه النظيفة الناتجة من المعالجات الصحية حيث ستوفر كثير من المراحل في انتاج تنقية المياه لإنتاج الهيدروجين.
- الاهتمام في الجانب العلمي والبحثي لتقنيات امتصاص الكربون
لا شك في الوقت الحالي يتسابق القطاع الصناعي لتوفير تقنيات تمتص وحفظ الكربون خلال انبعاثه. والكربون يعتبر مهم ويدخل في مجالات الصناعية الكثيرة منها المشروبات الغازية والقطاعات الطبية وغيرها من الصناعات. وهذه التقنيات تساهم في تحسين كفاءة محطات توليد البخارية والغازية من خلال امتصاص الكربون من انبعاثاتها ومن ثم إدخاله في الصناعات أو التخلص منه في مخازن خاصة تحت الأرض.
كثير من الخطوات التي يجب أن نضعها في عين الاعتبار بالإضافة لهذه الخمس ولكن يجب أن يتم تنظيمها بقواعد وتشريعات قانونية ومواصفات فنية تجنب الدولة أي تعثرات مستقبلية.
أهمية خلق منظومة سوق الكربون في الكويت
من بعد مؤتمر قمة التغير المناخي الذي أقيم في جمهورية مصر العربية في نوفمبر 2022، COP27، اتجهت كثير من دول الشرق الأوسط نحو مفهوم السوق الكربون والذي تم تطوير بنود في الاتفاقية الأممية بما يسمى، Article 6، لكي يساهم هذا السوق في خلق طرق ووسائل لتنفيذ مشاريع خضراء ومراقبة أداؤها لكي تساهم بشكل فعال نحو تحيق الاستراتيجيات الخضراء والحياد الكربوني. ويجب على المسؤولين في دولة الكويت عدم التأخر في الاهتمام بهذا الجانب حتى يخفف على الدولة الكاهل التمويلي ويعينها نحو تحقيق أهدافها بنجاح.
References
[1] | United Nations Resident Coordinator Office in Kuwait, “EXPLORING CLIMATE ACTION IN KUWAIT,” United Nations, Kuwait, 2021. |
[2] | Climate Impact Partners, “The CarbonNeutral Protocol 2024,” CIP, Mississippi, 2024. |
[3] | Ministry of Electricity, Water and Renewable Energy, “Statistical Year Book of Electrical Energy in Kuwait 2023,” MEWRE, Kuwait, 2024. |
[4] | A. Al-Mutairi, A. Smallbone, S. Al-Salem and A. Roskilly, “The First Carbon Atlas of the State of Kuwait. Energy,” Proceedings of the ICE – Energy, vol. 133, no. DOI:10.1016/j.energy.2017.05.097, pp. 317-326, 2017. |
[5] | UNFCCC: A joint submission to the Talanoa Dialogue by the Global Mangrove Alliance, founded by Conservation International, The Nature Conservancy, Wetlands International, World Wildlife Fund, “Coastal Wetlands and Mangroves: A Natural Climate Solution Pathway to Climate Change,” UNFCCC, Ney York, 2017. |