الغبار: العدو الخفي لكفاءة الألواح الشمسية
بقلم دكتور بدر ناصر الطويل العجمي – أستاذ مشارك ـ كلية الدراسات التكنولوجية- PAAET
الكويت ـ ونائب رئيس مجلس إدارة المجلس العربي للطاقة المستدامة
المقدمة
تُعد أنظمة الطاقة الشمسية الكهروضوئية أحد الحلول الاستراتيجية لمواجهة تحديات الطلب المتزايد على الطاقة وتقليل الانبعاثات الكربونية، خاصة في الدول العربية التي تتميز بوفرة الإشعاع الشمسي على مدار العام. إلا أن هذه الأنظمة تواجه تحديات بيئية عديدة، يأتي في مقدمتها الغبار والعواصف الرملية، التي تؤثر بشكل مباشر على كفاءة التحويل الكهروضوئي وإنتاج الطاقة.
يؤدي تراكم الغبار على أسطح الألواح الشمسية إلى خفض كمية الإشعاع الشمسي الواصل إلى الخلايا الكهروضوئية، مما ينتج عنه انخفاض في التيار الكهربائي المستخرج وقد يصل الفقد في القدرة إلى أكثر من 30% في بعض الحالات.
كما يتسبب التوزيع غير المتجانس للغبار في حدوث تظليل جزئي للخلايا، مما يؤدي إلى ظهور عدة نقاط قدرة عظمى جزئية على منحنى الجهد–القدرة، إضافةً إلى توليد النقاط الساخنة التي ترفع درجة حرارة الخلايا وتسرّع من تقادم الألواح وتقليل عمرها التشغيلي.
تشير الدراسات الميدانية في الكويت ومصر والسعودية إلى أن ترك الألواح دون تنظيف لفترات طويلة يؤدي إلى تراجع إنتاج الطاقة بنسبة تتراوح بين 25% – 35%. (الشكل 1) يوضح مثالًا لعاصفة رملية وتأثيرها على الألواح الكهروضوئية.
الشكل (1): أ) صورة توضح العواصف الرملية. ب) تأثير العواصف الرملية على الخلايا الشمسية.
تحديات العواصف الرملية
تزداد خطورة المشكلة أثناء العواصف الغبارية، إذ لا يقتصر الأمر على تراكم الأتربة على الأسطح، بل يشمل أيضاً تغيّرًا سريعًا وكبيرًا في شدة الإشعاع الشمسي نتيجة حركة جزيئات الغبار في الهواء وعلى سطح الألواح. هذا التغيّر المفاجئ يربك خوارزميات تتبع أقصى قدرة التقليدية، التي قد تعلق عند نقطة قدرة جزئية بدلاً من الوصول إلى النقطة العظمى العالمية، مما يسبب خسائر إضافية في إنتاج الطاقة.
القياسات الميدانية أوضحت أن الإشعاع الشمسي خلال الأيام المغبرة يشهد تذبذبات حادة مقارنة بالأيام الصافية، مما يجعل تشغيل الأنظمة الشمسية بكفاءة عالية أمرًا بالغ الصعوبة. (الشكل 2) يوضح مقارنة لمنحنيات الإشعاع في يوم صافٍ ويوم مغبر.
الشكل (2): يمثل المقارنة بين يوم مشمس (الخط الأحمر) وطقس مغبر (الخط الأزرق).
الخوارزمية المقترحة والحلول المكمّلة
لمعالجة هذه التحديات، يُقترح تطوير خوارزمية متقدمة مصممة خصيصًا للتعامل مع تأثير الغبار والتظليل الجزئي، بحيث:
- إجراء مسح شامل لمنحنى الجهد–القدرة لاكتشاف جميع النقاط القصوى.
- اختيار النقطة العظمى العالمية وتثبيت تشغيل النظام عندها.
- التعرف على حالة الطقس عبر مستشعرات أو تحليلات بيانات الإشعاع، بحيث يُفعَّل المسح الشامل فقط عند اكتشاف وجود غبار أو تظليل، ويتم تجنبه في الأجواء الصافية لتقليل فقد الوقت والطاقة.
هذه الاستراتيجية توفر استجابة سريعة للتغيرات المفاجئة في الإشعاع، وتمنع انحراف الخوارزمية عن النقطة المثلى أثناء الظروف المتقلبة.
تم اختبار الخوارزمية المقترحة في أربع حالات تشغيلية:
- الطقس الصافي: أداء مماثل للطرق التقليدية دون عمليات مسح غير ضرورية.
- التظليل الجزئي: الوصول السريع والدقيق إلى النقطة العظمى العالمية.
- الأجواء المغبرة: متابعة فعّالة للتغيرات السريعة في الإشعاع مع استقرار القدرة المستخرجة.
- تراكم الغبار لفترات طويلة: تجاوز تأثير النقاط الجزئية واستعادة الأداء المفقود بكفاءة.
يوضح (الشكل 3) مقارنة بين أداء الخوارزمية المقترحة و التقليدية في الأجواء المغبرة، حيث يظهر تفوق الخوارزمية من حيث سرعة الاستجابة، ودقة التتبع، وانخفاض التذبذبات في القدرة عند التشغيل المستقر.
الشكل (3): مقارنة طرق متقدمة مختلفة لتتبع النقطة العظمى خلال أجواء الغبار, حيث يمثل الخط الأحمر الخوارزمية المتخصصة للأجواء المغبرة.
لمواجهة مشكلة الغبار بفاعلية، يجب الجمع بين:
- الصيانة الدورية والتنظيف باستخدام تقنيات ميكانيكية أو آلية.
- تطوير أسطح وطلاءات نانوية طاردة للغبار تقلل من تراكمه.
- دمج الخوارزميات المتقدمة مع أنظمة المراقبة عن بعد وإنترنت الأشياء (IoT) لتحسين التنبؤ والاستجابة الفورية.
الخاتمة:
أظهرت الدراسة أن الغبار والعواصف الرملية ليسا مجرد عوامل بيئية ثانوية، بل يشكلان أحد أبرز التحديات التشغيلية لأنظمة الطاقة الشمسية في البيئات العربية. تأثيرهما لا يقتصر على خفض كفاءة التحويل الكهروضوئي فحسب، بل يمتد إلى إرباك خوارزميات التتبع التقليدية، وتسريع معدلات تقادم الألواح، وزيادة تكاليف الصيانة على المدى الطويل.
لقد أثبتت الخوارزمية المتقدمة كفاءتها في استيعاب هذه الظروف القاسية والتعامل معها بمرونة وذكاء، ما يعكس أهمية الدمج بين التطوير البرمجي والتطوير الميكانيكي والمادي من أجل تحقيق أداء مستدام. فالنجاح في تحسين إنتاجية الألواح الشمسية في البيئات القاسية يتطلب حلاً متكاملاً يبدأ من تصميم النظام مرورًا بآليات التتبع الذكية وانتهاءً بأساليب الصيانة المبتكرة.
كما أن هذه النتائج تحمل بعدًا اقتصاديًا واستراتيجيًا مهمًا، فزيادة الكفاءة في البيئات القاسية يمكن أن يترجم إلى وفورات مالية ضخمة على مدى العمر التشغيلي للنظام، ويعزز من الجدوى الاستثمارية لمشاريع الطاقة الشمسية في الدول العربية، الأمر الذي يدعم خطط التحول نحو الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ومن منظور مستقبلي، فإن مواجهة تأثير الغبار يتطلب دعم وتشجيع البحث العلمي لإيجاد خوارزميات أكثر تطورًا تناسب البيئة في الدول العربية، وأنظمة تنظيف ذاتية منخفضة التكلفة، ومواد سطحية مبتكرة تقلل من التصاق الغبار.
في الختام، يمكن القول إن الغبار لن يتوقف عن كونه عائقًا، لكن بالإمكان تحويل هذا التحدي إلى فرصة لتحفيز الابتكار في تصميم وتشغيل وصيانة الأنظمة الشمسية. ولتحقيق الاستفادة القصوى، يجب أن تتبنى الجهات المعنية سواء كانت حكومية أو خاصة إستراتيجية شاملة تجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والسياسات الداعمة، بما يضمن استدامة إنتاج الطاقة النظيفة في أكثر البيئات قسوة.