الإثنين, أغسطس 18, 2025
رئيس مجلس الإدارة : د. أشرف عبد العزيز
المشرف العام : أ. عبير سلامة
المدير التنفيذي: شروق أشرف
spot_img
Homeمقالات"الغضب الأزرق: البحر المتوسط يواجه تهديدًا مناخيًا يزعزع توازنه البيئي"

“الغضب الأزرق: البحر المتوسط يواجه تهديدًا مناخيًا يزعزع توازنه البيئي”

“الغضب الأزرق: البحر المتوسط يواجه تهديدًا مناخيًا يزعزع توازنه البيئي”

بقلم الوزير الاستاذ الدكتور  مصطفى حسين كامل ـ مدير المركز الاقليمي للتدريب ونقل التكنولوجيا للدول العربية التابع لاتفاقية بازل ووزير البيئة المصري الاسبق

البحر الأبيض المتوسط، الذي لطالما كان شاهدًا على تطور الحضارات وأحد أكثر البحار تنوعًا بيولوجيًا في العالم، يواجه اليوم أزمة بيئية غير مسبوقة نتيجة الاحترار المناخي. في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها الكوكب، أصبح هذا البحر عرضة لتهديدات مباشرة تهدد توازنه البيئي، مما يترك تأثيرات خطيرة على الأنظمة البيئية المحيطية، الاقتصاد المحلي، وحتى حياة الملايين من البشر الذين يعتمدون على موارده. هذا المقال يستعرض واقع البحر المتوسط في مواجهة التغير المناخي والتحديات المستقبلية التي قد يواجهها في العقود القادمة.

بحر يزداد سخونة بوتيرة مقلقة

وفقًا لتقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، يسخن البحر الأبيض المتوسط بمعدل يزيد بنسبة 20% عن المتوسط العالمي. في صيف عام 2023، سجلت درجات حرارة سطح البحر في بعض المناطق الساحلية أكثر من 30 درجة مئوية، وهي مستويات غير مألوفة تاريخيًا، إذ تقترب من درجات الحرارة التي توجد عادة في المياه الاستوائية. هذه الزيادة الحادة في درجات الحرارة ليس فقط مؤشرًا على تغيرات مناخية مقلقة، بل تُعتبر أيضًا ضغطًا كبيرًا على الكائنات البحرية والبنية الكيميائية للمياه، مما يُهدد ديناميكيات النظام البيئي في البحر.

اختلال التوازن البيولوجي

البحر المتوسط غني بتنوعه البيولوجي الفريد، حيث يضم أكثر من 17,000 نوع بحري، العديد منها مستوطن ولا يوجد في أي مكان آخر. لكن مع ارتفاع درجات الحرارة، بدأت الأنواع المحلية تنسحب تدريجيًا نحو الشمال بحثًا عن ظروف بحرية أكثر ملاءمة. في المقابل، بدأت الأنواع البحرية الدخيلة، مثل سمكة الأرنب السامة (اللاغو) وقناديل البحر العملاقة، بالانتشار في المياه، ما يسبب اضطرابات في الشبكات الغذائية المحلية. هذه الأنواع الجديدة تهدد الأنواع الأصلية، وبعضها يمثل خطرًا مباشرًا على الصحة العامة والنشاطات الاقتصادية مثل الصيد والسياحة.

الصيد التقليدي في مأزق

يشكل الصيد مصدر رزق أساسي لآلاف العائلات في دول البحر المتوسط، لكن هذا القطاع يواجه تحديات غير مسبوقة. الأنواع البحرية التي كانت تُصاد تقليديًا، مثل السردين والأنشوجة، بدأت تتناقص بشكل ملحوظ، ما يضطر الصيادين للإبحار لمسافات أطول أو الاعتماد على أنواع دخيلة وغالبًا ما تكون ذات قيمة تجارية منخفضة أو غير صالحة للاستهلاك. هذا الضغط على المصايد التقليدية لا يهدد الأمن الغذائي فحسب، بل يعمّق الفجوة الاجتماعية في المجتمعات الساحلية، خاصة في المناطق الجنوبية.

السياحة البيئية تحت التهديد

السياحة الساحلية تعتبر مصدرًا رئيسيًا للدخل في العديد من الدول المتوسطية، لكن التغيرات المناخية تؤثر على جاذبية هذه المناطق. من زيادة قناديل البحر التي تعرقل السياحة البحرية، إلى بيضاض الشعاب المرجانية في المحميات البحرية، وحتى تغير لون ونقاء المياه – كلها إشارات على تدهور الجمال الطبيعي الذي كان يجذب ملايين السياح. هذه التغيرات تشكل تهديدًا كبيرًا لاقتصادات الدول التي تعتمد على السياحة البيئية، مما يدفعها إلى إعادة النظر في استراتيجيات التكيف والتعافي.

مدن مهددة بالغرق وتكاليف باهظة للبقاء

المدن الساحلية في البحر المتوسط ليست بعيدة عن هذا الخطر. مع ارتفاع درجة حرارة البحر، تتسارع معدلات ذوبان الجليد القطبي، ما يساهم في ارتفاع منسوب سطح البحر. هذه التغيرات تهدد مدنًا منخفضة مثل الإسكندرية، البندقية، وبنغازي بالغرق الجزئي خلال العقود القادمة. كما أن درجات الحرارة المرتفعة تؤدي إلى إجهاد على البنية التحتية للطاقة والمياه، مما يزيد من كلفة المعيشة ويضع أنظمة التبريد والإمداد المائي تحت ضغط غير مسبوق.

الزراعة والموارد المائية في خطر

لا يقتصر تأثير الاحترار البحري على المياه السطحية فقط، بل يمتد إلى الموارد الزراعية والمياه الجوفية. زيادة معدلات التبخر تؤدي إلى ملوحة المياه الجوفية في المناطق الساحلية، ما يؤثر على جودة مياه الشرب وموارد الري، خاصة في دلتا النيل وسهول شمال إيطاليا، حيث تعتمد الزراعة بشكل كبير على المياه الجوفية الساحلية. هذا يؤدي إلى تحديات كبيرة في تأمين الأمن الغذائي في المنطقة.

التحدي المناخي… هل نتحرك في الوقت المناسب؟

البحر المتوسط يُعدّ “نقطة ساخنة مناخية”، وهي منطقة تأثرت بشكل مضاعف بالتغير المناخي، ما يفرض على الدول المطلة على البحر اتخاذ إجراءات فورية لمواجهة هذه التهديدات. الحلول المطروحة تشمل:

· خفض انبعاثات الغازات الدفيئة على المستوى المحلي والإقليمي.

· التحول إلى الطاقة المتجددة، خاصة في المناطق الساحلية.

· تطوير بنية تحتية مرنة قادرة على التكيف مع التغيرات المناخية.

· تبني ممارسات زراعية ومائية مستدامة.

· تفعيل الاتفاقيات البيئية مثل “خطة برشلونة”، والتنسيق بين دول الحوض لمواجهة التغيرات بشكل جماعي.

الخلاصة: صوت البحر… إنذار للكوكب كله

“الغضب الأزرق” ليس مجرد استعارة أو تشبيه لحالة مناخية، بل هو رسالة تحذيرية من بحر كان يومًا مهدًا للتنوع الطبيعي والبشري، وأصبح اليوم في قلب أزمة مناخية متزايدة وتهدد توازنه البيئي. البحر المتوسط أصبح مرآة لما قد يواجهه كوكب الأرض كله من تهديدات بيئية واضطرابات في النظم البيئية. إذا لم نتخذ الإجراءات اللازمة الآن، فإن الخطر سيكون أكبر من مجرد تدمير بيئي محلي؛ سيشمل فقدان نموذج بيئي متكامل حافظ على الحياة لأجيال عديدة. الآن هو الوقت للتحرك.

.

RELATED ARTICLES

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here

- Advertisment -
Google search engine

Most Popular

Recent Comments